د. سلامه أبو زعيتر
بعد اعلان التهدئة ووقف العدوان (الإسرائيلي)، الذي استهدف كل مقومات الحياة في قطاع غزة، وطال المدنيين والامنين في بيوتهم وهدمها على أصحابها، وقتل الأطفال والشيوخ والنساء…، واستهدف البنية التحتية والاقتصادية والصناعية، باستهداف الشوارع وأكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية، حيث تم هدم وتدمير 15 مصنع و60 مرفقا سياحيا، وعشرات الورش، بالإضافة للأضرار التي طالت أصحاب البسطات الصغيرة، والمحلات التجارية على امتداد شوارع قطاع غزة، كما وتضررت أكثر من 490 منشأة زراعية منها:
مزارع حيوانية، وحمامات زراعية، وشبكات ري، وآبار مياه، وتضرر أكثر من 454 سيارة، ووسيلة نقل بشكل كامل أو باللغة الضرر، بالإضافة لعشرات المشاريع الصغير ومتناهية الصغر والمبادرات الإنتاجية الناشئة، وترتب على ذلك خسائر مادية كبيرة تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وقد فقد الاف العمال فرصة عملهم ومصدر رزقهم الوحيد منذ العدوان 28 رمضان، وفي ظل محدودية فرصة العمل مع استمرار الحصار وتداعيات كورونا منذ شهر 3 /2020، وبالتزامن مع ارتفاع معدلات الفقر ونسب البطالة في قطاع غزة والتي تزيد عن نسبة 54%، وخاصة بين الشباب التي بلغت بنسبة 64% والنساء بنسبة تزيد عن 80%.
يعيش معظم العمال في قطاع غزة اليوم باليوم (بنظام اليومية)، يعني اليوم الذي يعمل به يتقاضى مقابله أجر ليعيل أسرته، وأي توقف عن العمل لأي سبب يكون على حساب العمال، ولا يتقاضون مقابله أي أجر أو تعويض، هذا مرتبط بهشاشه سوق العمل وضعف القوانين وغياب الحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، لتعويض المتضررين من العمال وتأمينهم من المخاطر، وخاصة في مواجهة الحروب والكوارث والاوبئة…، أو تضرر منشآتهم التي يعملون بها نتيجة أي طوارئ واحداث ومستجدات.
ان العدوان الأخير أيار 2021 على غزة كان له تأثيرا مباشر، وانعكاسا سلبيا على العمال وأجورهم ومصدر رزقهم الوحيد، وأوقع عليهم ضررا كبيرا على الصعيد المادي والنفسي والصحي، ومنهم من أصيب في منزله أو باستهداف مكان عمله، وهذا يدعو لتوسيع دائرة التدخل في عملية حصر الاضرار، وإعادة البناء والاعمار لتستهدف قطاع العمال المتضررين كما القطاعات الأخرى، وعدم تجاهل قضيتهم وخسائرهم اليومية بسبب العدوان، حتى يستطيعوا أن يباشروا حياتهم ويعيلون أسرهم بشكل طبيعي.
أحيانا تسليط الضوء على قضايا العمال ومشاكلهم، وتأثرهم بالأحداث والمتغيرات والمستجدات يحتاج الى فهم حقيقي لواقعهم وإيمان بهذه الشريحة من المجتمع التي تشكل عصب قوى الإنتاج، وأحد أهم المصادر العملية لتحريك العجلة الاقتصادية، لذا من الواجب مراعاتها وحمايتها في مواجهة المخاطر، وخاصة التي تتعلق بمصادر الرزق وأعاله الاسرة، وعليه يجب أن يتم التعاطي مع قضايا العمال ضمن أولويات التدخل وإعادة الاعمار وإدراجهم ضمن برامج التعويضات، وحصر الخسائر طوال فترة توقفهم عن العمل، وتقديم الإعانات والمساعدات لهم كغيرهم من أبناء شعبنا المتضرر من العدوان، ويأتي ذلك من خلال اليات لحصر خسائر العمال من أجور ومستحقات مع خسائر المنشآت المتضررة، وبمشاركة اطراف الإنتاج الثلاثة النقابات العمالية ومنظمات الصحاب العمل والحكومة لضمان الوضوح والشفافية والعدالة لوصول التعويضات لمستحقيها بشكل سلس وبكرامة، وضمن خطة تدخل فورية لتعزيز العملية الانتاجية وتحريك عجلة الاقتصاد….، فاستقرار سوق العمل وإعادة التوازن فيه يساهم في تعزيز فرص العمل، واستحداث فرص عمل جديدة، وهذا يساهم في تخفيف الازمة وانعكاساتها وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر أحد التدخلات الفعالة التي تستهدف قطاع واسع من المجتمع، وهم العمال ومؤسسات القطاع الخاص الذي تشكل أكبر مشغل في سوق العمل وتلعب دور في تنمية وتطوير الاقتصاد الفلسطيني، الذي يحتاج لدعم ومساندة وتمويل ورعاية وتطوير، ليستطيع مواجهة الاضرار والظروف والتحديات والمعوقات، حتى يستطيع ان ينهض من جديد، ويتوسع في انشطته وبرامجه بما يساعد تقوية الاقتصاد وإصلاح ما اتلفه ودمره وخربه الاحتلال، بهدف ترميم واصلاح البنية التحتية ودمج العمال في العمل والتوسع في خلق فرص العمل ضمن اليات إعادة الاعمار وتنشيط الاستثمار، وتطوير الدورة المالية والاقتصادية في المجتمع الفلسطيني.
أخيرا لا يجوز تجاهل قضية العمال وحجم الاضرار الواقعة عليهم في أي عملية تدخل لعلاج تداعيات العدوان الأخير على قطاع غزة، فالإنسان العامل يجب أن يكون ذو أولوية لتعزيز صموده وثباته ومساندته ليستمر بعطائه ومساهماته في العملية الإنتاجية، بالإضافة لدعم قدراته ومهاراته ليظل انسانا منتجا كما تعودنا على عمالنا العطاء والتضحية في سبيل النهوض بالمجتمع والعملية الإنتاجية والاقتصادية والاجتماعية.
• عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين