جنيف – اختتم مؤتمر العمل الدولي دورته التاسعة بعد المئة، وهو مؤتمر دوري تنظمه منظمة العمل الدولية في الفترة الواقعة بين 8 – 19 حزيران من كل عام، واختتمت أعمال الدورة الحالية (قمة عالم العمل – World of work summit)، بانتخاب مجلس إدارة جديد للمنظمة الأممية، كان من بين أعضاءه أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين “شاهر سعد” كممثل عن فلسطين والمنطقة العربية.
كما توصل المؤتمرون لاتفاق عالمي جعل من الإنسان مركزاً لاهتمامته الفضلي، وذلك ضمن تدابير المنظمة لعبور عتبة التعافي العالمي من آثار جائحة كوفيد-19، التي طال ضررها كافة أنحاء الأرض.
حيث صوت بالإجماع ممثلي الحكومات والعمال وأرباب العمل، من 181 دولة، لصالح اعتماد النداء العالمي، لحث الخطى لإنفاذ استجابة كونية شاملة؛ تجعل من الإنسان مركزاً لعملها، وصولاً للتعافي التام من آثار كوفيد-19، بعد منح هدف خلق المزيد من فرص العمل والوظائف اللائقة الأولوية التي يستحقها؛ ونبذ عدم المساواة والتمييز بين الجنسين.
كما جدد أعضاء المؤتمر في بيانهم الختامي، الدعوة للعمل على زيادة نجاعة التدابير المنفذة لتحقيق التعافي من جائحة كوفيد -19، بشكل يركز على الإنسان، ويلزم الدول بأن تضمن أن تعافيها الاقتصادي والاجتماعي من الأزمة “شامل ومستدام وقادر على الصمود”، ويشمل الاتفاق مجموعتين من الإجراءات المتفق عليها.
الأولى: تغطي التدابير التي يجب أن تتخذها الحكومات الوطنية وأرباب العمل والنقابات العمالية “الشركاء الاجتماعيين”، لتحقيق التعافي الغني بالوظائف الذي يعزز بشكل كبير حماية العمال والحماية الاجتماعية ويدعم الشركات المستدامة.
الثانية: تغطي التعاون الدولي ودور المؤسسات متعددة الأطراف، بما فيها منظمة العمل الدولية، بهدف زيادة مستوى واتساق الدعم للاستراتيجيات الوطنية “التي تركز على الإنسان” للتعافي من الجائحة.
كلمة شاهر سعد
إلى ذلك ألقى “شاهر سعد” كلمة عمال وعاملات فلسطين، التي استهلها بنقد منهجية تعاطي منظمة العمل الدولية مع مشكلات العمال الفلسطينيين، لاكتفاءها بوصف المشكلة دون التقدم بخطوة عملية واحدة للأمام، على طريق حل تلك المشكلات.
وأضاف في هذا السياق، “لطالما نظر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بعين التقدير والإعجاب للجهد الذي تبذله منظمة العمل الدولية في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، سيما التلخيص الوصفي الثمين لحالة العمال الفلسطينيين، والذي نجده في التقارير الدورية لمدير منظمة العمل الدولية، وهي بمجموعها تشكل وثائق مهمة وذات قيمة نظرية عالية”.
وكنا في السابق وما زلنا حالياً، نتطلع إلى أن تتحول توصيات تلك التقارير، إلى قرارات وسياسات تعكس الإرادة الدولية الراغبة في إيجاد حلول لمشكلات الأراضي العربية الخاضعة لسلطان الاحتلال الإسرائيلي؛ بما فيها مشكلات واحتياجات العمال.
وصولاً لكف يد المحتل الإسرائيلي عن لقمة عيش عمالنا، وتحسين ظروف وشروط عملهم في سوق العمل الإسرائيلي، الذي يخضعون فيه لسياسات عنصرية بغيضة، يمارسها عليهم أرباب عملهم الإسرائيليون وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا ينفك عن مطاردتهم مستعيناً بالسيارات العسكرية المصفحة والطائرات المسيرة والكلاب البوليسية الشرسة، وهي مطاردات تنتهي عادة باعتقال العمال أو قتلهم.
كما عرض “سعد” أمام المؤتمر معطيات حديثة للانعكاسات المدمرة التي تركتها الجائحة الصحة على مجتمع العمال؛ لأنها أضيفت لقسوة الإجراءات الإسرائيلية المتبعة ضد العمال منذ عام 1967م، وتسببت بتعاظم التلاشي المفرط لفرص العمل، وشيوع مظاهر البطالة والفقر، وبالتالي استقرار الحالة الفلسطينية في منطقة مظلمة و مبددة لكل أمل في الحياة.
بعد أن فقد آلاف العمال الفلسطينيين وظائفهم ومصادر دخلهم، وكانت النساء الفلسطينيات الأشد تضرراً من هذا التدهور، وتراجعت مشاركتهن في سوق العمل المحلي، بسبب إغلاق المنشئآت والمصانع، وانصرافهن للبحث عن فرص عمل جديدة.
كما ضاعفت خطط الحكومة الإسرائيلية، الساعية لضم الضفة الغربية من صعوبة الحياة وإغلاق فتحات الأمل في جُدر الإعاقة والتأخير والتعطيل أمام الخريجين الفلسطينيين والفلسطينيات، الأمر الذي تسبب بتتالي موجات المواجهة والتصادم مع المحتل الإسرائيلي.
إلى أن انزلق الوضع العام برمته لمربع المواجهة الشاملة بين شعبنا ودولة الاحتلال الإسرائيلي في شهر أيار 2021م، بعد قيامها بمحاولة فاشلة لتهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، ضمن مساعيها الخبيثة لتهويد مدينة القدس المحتلة، وإخلائها من سكانها وتهجيرهم منها؛ وإحلال مستعمرين يهود مكانهم، حيث قامت في شهر آذار 2021م بإخلاء مجموعة من السكان في حي سلوان، وحاولت بتاريخ 20 نيسان 2021م أخلاء 38 عائلة مقدسية تقطن الحي المذكور منذ عام 1956م.
الحرب على غزة
كما عرض “سعد” جوانب عديدة للآثار الكارثية على الاقتصاد الفلسطيني، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الأمر الذي فاقم المشكلات القديمة وخلق المزيد منها؛ وخاصة في قطاع غزة، حيث اتضح للعالم بأن الدمار طال كافة مكونات الحياة، بما في ذلك البنية التحتية والاقتصادية والصناعية، حيث تم تدمير أكثر من 300 منشأة اقتصادية وصناعية وتجارية، وهدم 15 مصنعاً و60 مرفقاً سياحياً، وعشرات الورش الصغيرة، بما فيها البسطات والعربات الجوالة، وتضرر 490 منشأة زراعية منها:-
مزارع حيوانية، و دفيئات زراعية، وشبكات ري، وآبار مياه، وتدمير أكثر من 454 سيارة، ووسيلة نقل بشكل كامل، بالإضافة لعشرات المشاريع الصغير ومتناهية الصغر والمبادرات الإنتاجية الناشئة، وترتب على ذلك خسائر مادية كبيرة تقدر بمئات الملايين من الدولارات.
ما تسبب بفقدان العمال لعملهم وتحولهم لعاطلين عن العمل، وارتفاع معدلات البطالة وتعاظم نسب الفقر في قطاع غزة، والتي تزيد عن 54%، وخاصة بين الشباب التي بلغت 64% والنساء بنسبة تزيد عن 80%..
واختتم سعد حديثه بالقول: بطريقة أو بأخرى، أتفق مع السيد “جي رايدر” فيما ذهب إليه في تقريره، من تحديد ورسم لبدايات طريق التعافي في فلسطين، لإعادة بناء الاقتصاد وتنشيط السياحة واستولاد المزيد من فرص العمل.
ولا يخفى عليكم أيها الأصدقاء في المجتمع الدولي، بأن فلسطين بحاجة لمساعدتكم لتتمكن من عبور عتبة التعافي والوصول لبر الأمان الاجتماعي والاقتصادي، وهذا يبدأ من مطالبة (إسرائيل) برفع القيود التي تفرضها على حركة دخول وخروج العمال الفلسطينيين من وإلى سوق العمل الإسرائيلي.
وكف يد سماسرة بيع التصاريح عن أرزاق العمال؛ وإتاحة تلك التصاريح للعمال بالمجان، وملاحقة سماسرة بيع التصاريح واسترداد الأموال التي سلبوها من العمال وتقديمهم للقضاء الفلسطيني والإسرائيلي.
ومساعدة فلسطين لبناء منظومة حماية اجتماعية فعالة، تسهم مستقبلاً في حماية العمال وأسرهم من الجوائح والويلات الصحية والكوارث الطبيعية في حال وقوعها لا سمح الله.