رام الله-وفا- إيهاب الريماوي- خلال السنوات الماضية ارتفع عدد “الفتحات” في جدار الفصل العنصري التي تقع تحت مرأى ومراقبة جنود الاحتلال الاسرائيلي، بشكل مطرد في أكثر من منطقة بالضفة الغربية، حيث وصل عددها حسب وزارة العمل إلى نحو 250 فتحة.
ويؤكد “رئيس وحدة تنظيم التشغيل الخارجي وداخل الخط الأخضر” في وزارة العمل عبد الكريم مرداوي أن الحكومة الإسرائيلية تريد من خلال الثغرات في الجدار الفاصل أيدي عاملة فلسطينية رخيصة، لا تلتزم تجاههم بأية حقوق قانونية أو اجتماعية، الأمر الذي من شأنه أن يحرم آلاف العمال من التعويض في حالة الإصابة أو الوفاة.
وفي حين، أعطت سلطات الاحتلال الاسرائيلي العمال القادمين من قطاع غزة والذين بلغ عددهم نحو 30 ألف عامل، تصاريح أطلق عليها “احتياجات اقتصادية”، وليست تصاريح عمل، وهذا يعني أن الاحتلال ينأى بنفسه عن أي التزام بأي حقوق تجاه هؤلاء العمال، فهذه الفئة من التصاريح تندرج تحت إطار العمل غير المنظم وفق التعبير الإسرائيلي، وهذا ما تشجع عليه، وفقا لمرداوي.
ووفق وزارة العمل، فإن هناك نحو 175 ألف عامل يعملون في سوق العمل الإسرائيلي، بينهم 100 ألف عامل ممن يحملون التصاريح، و35 ألفا يعملون في المستوطنات، و40 ألفا لا يحملون تصاريح عمل.
ويقول مرداوي إن نحو 70% من هؤلاء العمال يعملون في قطاع البناء، وتشكل نسبة إصاباتهم في هذا القطاع نحو 97% من مجمل عدد الإصابات، في وقت أن 2% من سجل الإصابات للعمال الأجانب، و1% فقط للعمال الإسرائيليين، ويأتي سبب هذه النسبة الكبيرة من الإصابات بين صفوف العمال الفلسطينيين إلى العزوف الإسرائيلي والأجنبي عن العمل في هذا القطاع.
ووفق أرقام اتحاد نقابات عمال فلسطين، فإن 51% من العمال والعاملات في سوق العمل الاسرائيلي يعملون بلا عقود عمل، ويقع تصنيفهم في هذه الحالة تحت باب العمالة غير المنظمة رغم حيازتهم على التصاريح اللازمة، الأمر الذي يعني أنهم عرضة للحرمان من كامل أو جل حقوقهم الاجتماعية كالحق في التأمين الصحي والمتابعة الطبية، والانتفاع من صندوق المرضى وغير ذلك من حقوق يحصل عليها العامل النظامي في سوق العمل الاسرائيلي.
ووفق مدير الاعلام في اتحاد نقابات عمال فلسطين ناصر دمج فإن العمال الفلسطينيين يتعرضون لانتهاك في إهمال سلامتهم داخل ورش العمل والمصانع والمعامل الإسرائيلية، بعدم تزويدهم بمعدات ووسائل الصحة والسلامة المهنية، خاصة عمال البناء والاخشاب، حيث يعتلون البنايات فوق “سقالات” متهالكة ومخالفة لمعايير وشروط الصحة والسلامة المهنية المتعارف عليها في سوق العمل الاسرائيلي والعالمي، في حين توفر إسرائيل للعمال الإسرائيليين وغيرهم ممن يعملون في قطاع البناء والانشاءات من غير العرب سقالات فيها أعلى درجات الأمان.
وأضاف: “أصحاب العمل في إسرائيل يتساهلون في استخدام السقالات المتهالكة، بهدف تقليل التكاليف عليهم، ولا يهمهم إن كانت تفتقد لأدنى شروط الصحة والسلامة، إذا كان الذي يعتليها عاملا فلسطينيا”.
وسجلت منذ بداية العام الجاري وفاة 12 عاملاً فلسطينياً من الضفة، و13 عاملاً فلسطينياً من داخل أراضي 48، ونحو 80 إصابة، والعام الماضي توفي 37 عاملاً من الضفة، و22 من داخل أراضي 48، وأكثر من 200 إصابة مسجل في مديريات وزارة العمل، مع العلم أن هناك نحو 500 إصابة لم تراجع مكاتب العمل، وفق مرداوي.
ويشير دمج إلى أن: “هناك زيادة في إصابات العمل، بنحو 30% عن الفترة المماثلة من العام الماضي، وهذه الأرقام هي دليل كافٍ على أن ضحايا حوادث العمل القاتلة متركزة بين العمال العرب، سواء أكانوا من الضفة أم داخل أراضي 48”.
ويرى بأن الانتهاكات الاسرائيلية بحق العمال الفلسطينيين سببت في ارتفاع نسب إصابات العمال القاتلة بينهم، حيث تشير أرقام اتحاد نقابات عمال فلسطين إلى أن عدد العمال الذين أصيبوا خلال العامين الماضيين في قطاع البناء كان 124 عاملاً، ثلثهم أصيبوا بإصابات غائرة تركت أثراً دائماً على أجسادهم، فيما لقي 20 منهم مصرعهم.
ويتجلى الإهمال الإسرائيلي لحقوق العمال الفلسطينيين حسب مرداوي، بأن مفتشي العمل الإسرائيليين لا ينظمون زيارات لورشات البناء إلا مرة واحدة كل عامين، وهذا ما يعتبر أمرا كارثيا ينعكس على ارتفاع أعداد الإصابات وحالات الوفاة، في حين تتحجج وزارة العمل الإسرائيلية بأن مفتشي العمل فيها عددهم قليل جداً.
وتمكنت وزارة العمل منذ بداية العام الجاري من استراد حقوق عدد من حالات الوفاة والإصابات بين صفوف العمال، حيث تم تحصيل نحو 270 ألف شيقل لصالح العمال، في حين أن هناك قضايا يصعب حلها في غضون فترة قصيرة، بل تحتاج إلى متابعة من خلال المحامين من أجل تحصيل الحقوق.
وأما بالنسبة لسوق العمل الفلسطيني، فإنه منذ بداية العام الجاري سجلت وفاة عاملين اثنين، وإصابة 131 آخرين، في حين لقي 14 عاملاً مصرعهم العام الماضي، وأصيب 626 آخرون.
ووفق مدير دائرة السلامة والصحة المهنية إيهام النسور فإن القرار بقانون رقم (3) لسنة 2019 بشأن لجان ومشرفي السلامة المهنية في المنشآت والذي أرجِئ تطبيقه خلال ذروة أزمة فيروس كورونا، من المتوقع أن يتم تطبيقه خلال الفترة القليلة المقبلة.
وأشارت إلى أن هدف هذا القرار هو إجبار أصحاب العمل خاصة الخطرة والضارة، على تزويد المنشآت بمشرفين يتابعون تطبيق شروط السلامة والصحة المهنية، كما أن هناك بعض المؤسسات بدأت تعطي دورات حول ذلك، حيث إنها تأخذ اعتمادها وترخيصها من وزارة العمل.
وتتابع النسور: “حسب طبيعة المنشأة فإن هناك مشرفين سيكونون على رأس عملهم طيلة مدة ساعات العمل بالمنشأة، خاصة تلك التي تتميز بأنها ذات طبيعة عمل خطرة”.
ويهدف القرار وفق النسور، إلى تعزيز قدرة المنشأة على المراقبة الذاتية، فهي المسؤولة أمام وزارة العمل عن بيئة عمل المنشأة.
ويتوقع عقب تطبيق القرار، انخفاض في أعداد الإصابات في سوق العمل الفلسطيني، حيث سيكون وضع مشرف للمنشأة ملزماً لصاحب العمل، والذي سيخضع لدورات تدريبية، ورقابة مستمرة من قبل طواقم وزارة العمل.
وبالأرقام، فإن هناك 853 ألف عامل وعاملة منخرطون في سوق العمل المحلي (غزة والضفة)، مع نهاية النصف الأول من عام 2021، ومنهم 250 ألف عامل وعاملة، كعمال مياومة، ممن يتلقون أجورهم نقداً ويومياً.
وتركزت النسبة الكبرى من إصابات العمل خلال العام الماضي في الفئة العمرية ما بين (15-25) سنة، بنسبة (45%)، وبمعدل (283) اصابة من مجموع الإصابات المسجلة هذا العام. والسبب في ذلك يعود الى ان هذه الفئة العمرية لا تملك الخبرة الكافية ومدة خدمتها لا تتجاوز العام.
ولفتت النسور إلى أن نتائج التحقيق في الاصابات تبين أن السبب الرئيسي لغالبيتها هو بيئة العمل، حيث بلغت نسبة الاصابات الناتجة بسبب عدم ملائمة بيئة العمل حوالي 46%، اي بمعدل 273 اصابة من مجموع الاصابات، يليها الآلات حيث بلغت نسبتها حوالي 23%.